من المعروف أن احتفال المغرب بالمولد النبوي يبتدئ من أوائل المائة السابعة للهجرة، وقد كان من بين أصداء هذا الاحتفال ابتداع موضوعات جديدة في الأدب المغربي: من مؤلفات في المولد الشريف، إلى قصائد التهاني المولدية، وهذه تفتتح -غالبا- بالحنين إلى البقاع المقدسة، وتتناول مدح الجناب النبوي وتعداد معجزاته، ثم تتلخص إلى مدح السلطان مقيم الاحتفال وتهنئته(1).
وإلى جانب هذا ظهرت قصائد تعرف باسم "المولديات"، وتتميز بثلاثة خصائص:
- التزام ذكر المولد الشريف والمديح النبوي خاصة.
- سهولة التعبير ووضوح المعنى.
- خفة أوزانها حيث تأتي -في الغالب- مجزوة أو موشحة أو ما إلى ذلك.
وقد عرفت هذه المولديات منذ أواسط العصر المريني، ومنها في هذه الفترة:
1)- "أشعار مولديات"، لمحمد بن القاسم بن عمر بن عبد الله الصيرفي، اتصل به لسان الدين ابن الخطيب أثناء سياحته بالمغرب بين عام 761هـ، إلى أواسط 763 هـ، ولاحظ أنه اختص بنظم "المولديات" بمدينة مراكش.
2)- "قصائد مولديات" لأبي سالم إبراهيم ابن محمد بن علي اللنتي التازي نزيل وهران، والمتوفى- بها- عام 866 هـ / 1462 م(2)
ولا تزال مولديات الصرفي والتازي غير معروفة.
وقد كثر نظم هذه "المولديات" في الفترة الوطاسية، ومنها:
3)- "مولدية" ابن غازي: محمد بن أحمد العثماني المكناسي نزيل فاس، والمتوفى- بها- عام 919 هـ /1513 م، وهي قصيدة دالية مسمطة من مجزو الرمل، وتشتمل على 110 أبيات ضعيفة النظم، ومطلعها:
باسم خلاق الأنام
نبتدي صدر النظام
ثم نثني بالسلام
عن رسول الله أحمد
وهو يذكر في أحد أبياتها "أهل المكاتب" ليدل على أنه نظمها برسم الكتاتيب القرآنية حتى تنشد في حفلاتها المولدية، وهكذا نستفيد أن هذه المولديات منها ما كان ينظم لهذه الكتاتيب، على أن عددا منها كان يستعمل -أيضا- في الحفلات العامة.
لا تزال هذه المنظومة مخطوطة في نسخة خاصة ضمن مجموع، حيث تسمى بـ "المولودية، المنظومة في مدح خير البرية".
4)- "مولدية" أبي سعيد بن أحمد بن سعيد المكناسي الأصل ثم الفاسي، المتوفى حوالي أوائل المائة العاشرة (3)، وهي قصيدة موشحة لا تزال مخطوطة، وأورد القسم الأول منها ابن القاضي في المنتقى المقصور(4)، ومطلعها:
يا عريب الحي من حي الحمى
أنتم عيدي وأنتم عرس
5)- "مولديات" لأبي محمد عبد الواحد بن أحمد بن يحيى الونشريسي ثم الفاسي، المتوفى عام 955 هـ /1549 م، ويبدو أنه كان متقدما في هذا العمل، حيث يقول عنه المنجور في فهرسته:(5)
".. وكذلك موالده في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيام المولد، من أرق الموالد وأوزنها معنى ولفظا"
وقد تفيد هذه الفقرة شيوع نظم المولديات في هذه الفترة، وهلهلة نظم بعضها معنى أو لفظا، تأثرا بانحدار الأدب في العهد الوطاسي، ولا تزال موالد الونشريسي غير معروفة.
6)- "مولدية" محمد بن علي الخطيب العكبري القصري ثم الفاسي، المتوفى عام 955 هـ/ 1548- 1549 م، وهي من بحر الهزج، ويعرف منها مطلعها الذي يقدمه ابن القاضي(6) هكذا:
تجلى مولد الهادي
بإقبال وإسعاد
أشهر دمت من شهر
وقد خصصت بالفخر
ويلاحظ أن المولديات صارت تنظم في هذه الفترة بالشعر الملحون أيضا، حيث يذكر الحسن بن محمد الوزاني الفاسي "ليو الإفريقي(7)": أن الزجالين كانوا يجتمعون ليلة المولد النبوي بقاعة سيدي فرج بالعطارين من فاس القرويين، ليتناشدوا أشعارهم في المديح النبوي بمكان مخصوص هناك، وقد ازدهر نظم هذه المولديات الملحونة بعد هذا على عهد الشرفاء..
وفي العصر السعدي ظهر تلحين المولديات المعربة والملحونة حسب نغمات الموسيقى الأندلسية، وكانت حفلات المنصور الذهبي بالمولد الكريم تشتمل على تلحين خصوص المولديات المعربة، بينما تجمع بعض الحفلات الصوفية بين المعربة والملحونة، وهذا عبد العزيز الفشتالــــــي(8) يقول عن احتفال المنصور السعدي بالمولد النبوي:
".. واندفع القوم لترجيع الأصوات بمنظومات على أساليب مخصوصة في مواسم النبي الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم، يخصها اصطلاح العرف باسم "المولديات" نسبة إلى المولد النبوي الكريم، قد لحنوها بألحان تخلب النفوس والأرواح، وترق لها الطباع، وتبعث في الصدور الخشوع، وتقشعر لها جلود الذين يخشون ربهم، يتفننون في ألحانها على حسب تفننها في النظم".
وقد استفدنا من هذا النص أيضا أن المولديات صارت -في هذا العصر- تنشد في المحافل الكبيرة، بعد ما رأينا في العهد الوطاسي أن منها ما كان ينظم برسم الكتاتيب القرآنية حتى ينشد في حفلاتها المولدية، كما استفدنا من هذا النص أن هذه المنظومات كانت في الفترة السعدية قد تنوعت أوزان نظمها، وهو ما رأينا بعضه في المولديات التي استعرضنا مطالعها من قبل.
ونذكر- الآن- عن احتفال أبي المحاسن الفاسي بالمولد النبوي: أنه كان يزاوج فيه بين تنغيم المنظومات المعربة والملحونة، وفي هذا يقول في "مرآة المحاسن"(9)
".. ويحكمون طرق تلحين "الميلاديات" المعربة: الموزونة بأوزان الشعر العربي وما يجري مجراه، والملحونة الموزونة على عروض البلد وغيره، على العادة في ذلك بحضرة فاس".
ويلاحظ أنه بقدر شيوع إنشاد المولديات في هذا العصر، لا يعرف - لحد الآن- منظومات في هذا الصدد من عمل أدباء سعديين، ولا يستثنى من هذا سوى أديب نبغ في أعقاب هذه الفترة، وهو أبو زيد عبد الرحمن بن أبي السعود عبد القادر الفاسي الفهري: المتوفى عام 1096 هـ/ 1685 م، وقد جمع أشعاره في المديح النبوي في ديوان كبير صنفه في ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مرتب على حروف المعجم.
القسم الثاني: مرتب على بحور الشعر القديمة والمستحدثة.
7)- القسم الثالث يشتمل- حسب تعبير الديوان- على ما قاله في شعر ربيع. من "مولوديات" في مدح الهادي الشفيع.
لا يزال هذا الديوان مخطوطا، ومنه نسخة بالمكتبة الملكية بالرباط ضمن مجموعة المكتبة الزيدانية، التي يحمل بها رقم 3071.
ومن هذه المنظومات في العصر العلوي:
8)- "مولدية" لمحمد بن امحمد المرابط الدلائي ثم الفاسي، المتوفى- بها- عام 1099 هـ/ 1688 م، وهي قصيدة دالية مسمطة من مجزو الكامل في 54 بيتا، ومطلعها:
بدر الأماني قد بدا
بربيع مولد أحمدا
الهادي الشفيع من غدا
ودعا إلى طرق الرشاد(10)
9)- "مولديات" ثلاثة لمحمد بن قاسم ابن زاكور الفاسي: المتوفى عام 1120 هـ/ 1708، وهي واردة في ديوانه(11)، وأولها موشحة على حرف الراء مطلعها:
يا ليلة الميلاد
ما كان أحلى سمرك
شفيت ذا أنكاد
بات يشيم عررك
10)- "مولديات" لعبد الكريم بن عبد السلام ابن زاكور، عامل تطوان إلى عام 1179 هـ/ 1765- 1766 م، وفيها قصائد وموشحات في تمجيد ربيع النبوي، وأوردها أواخر السفر الثالث من مجموعة أشعاره في الأمداح النبوية"(12).
11)- "ديوان الأمداح النبوية، وذكر النغمات والطبوع، وبيان تعلقها بالطبائع الأربعة"، لأبي العباس أحمد بن محمد بن العربي أحضري الأندلسي الأصل ثم المراكشي، من أهل المائة 13 هـ، وضعه لتسجيل ألحان القصائد المولديات، وقد فكر في جمع ما وقف عليه من هذه القصائد بالخصوص وأكثرها من الموزون، وجعل كل واحدة مع ما يناسبها في اللحن، ثم دونها في هذه المجموعة بعد ما صدرها بمقدمة تفسيرية ومطولة، يتخللها بعض تعابير ضعيفة وشيء من اللحن، وهو يصنف نغمات القصائد في 13 طبعا مع افتتاح كل واحد بـ "بيتين" للإنشاد، ويقدمها حسب الترتيب التالي:
طبع الأصبهان- الحجاز الكبير- الحجاز المشرقي- العشاق- الماية- رمل الماية- الرصد- غريبة الحسين- المشرقي الصغير- رصد الذيل- عراق العجم- الاستهلال- الصيكة.
أما الشعراء أصحاب المولديات ففيهم - من المغاربة ومن إليهم- عشرة، ونقدمهم كما تسميهم المجموعة وحسب ترتيب ذكرهم - كما يلي:
الحلبي- أحمد العلج - الحاج مسعود الأندلسي- مولاي كروم، ويسميه مرة أخرى بعبد الكريم- ابن المرابط- أحمد بن عمر التازي العطار- محمد التازي- الحاج بوجمعة، وهو يؤرخ خاتمة قصيدة ملحونة بعام 1080 هـ، وأخرى بعام 1088 هـ- ابن موسى- ابن منصور.
وليس يعرف- الآن- من هؤلاء الشعراء سوى اثنين، الأول: الحلبي، وهو أحمد بن عبد الحي الحلبي الشافعي نزيل فاس، والمتوفى- بها- عام 1120 هـ/ 1708 م، له في الأمداح النبوية قصائد رفيعة كثيرة، وأزجال بديعة شهيرة، وفيها مولديات عديدة كان يجيد تلحينها بصوته الحسن حسب نشر المثاني المخطوط، الذي لم يوضح نوع هذه الألحان هل هي مشرقية أو مغربية، أما الثاني فهو ابن المرابط الذي يظهر أنه محمد بن امحمد المرابط الدلائي سابق الذكر عند رقم 8.
كان هذا الديوان في ملك القاضي المؤرخ المرحوم السيد عباس بن إبراهيم المراكشي، وتحدث عنه في "الأعلام"(13)، وبعد وفاته صار إلى الأستاذ الباحث النشيط السيد عباس الجراري حيث وقفت عليه. وهو يقع في سفر صغير ويبتدي من ص 4 إلى ص 216، مسطرة 20، مقياس 230/180، خط مغربي مراكشي يميل للمبسوط لا بأس به، مشكول ملون بالأصباغ مجدول، خال من تاريخ التأليف والنسخ واسم الناسخ.
وبعد: فهذه دراسة سريعة لظاهرة المولديات في الأدب المغربي، ولنا عودة إلى الموضوع في فرصة مقبلة بإعانة الله سبحانه.
(1)انظر محمد المنوني: "المولد النبوي الشريف في المغرب المريني"، مجلة "دعوة الحق"، العدد الأول، السنة الثانية عشرة ص 118 و 122- 127.
(2) انظر عن المولديات المرينية: محمد المنوني: "المولد النبوي الشريف في المغرب المريني"، مجلة "دعوة الحق"، العدد الأول، السنة الثانية عشرة- ص 126- 127.
(3) أشار له في جدوة الاقتباس ص: 64 آخر ترجمة والده أحمد بن سعيد المكناسي المتوفى حدود 870، ومن هنا أخذت تقريب تاريخ وفاته.
(4) مصور خ. ع. د 1057- لوحة 317- 318.
(5) مخطوطة خاصة- عند ترجمته.
(6) في جذوة الاقتباس عند ترجمته ص 151- 152، ثم في درة الحجال رقم 628.
(7) "حياة الوزان الفاسي وآثاره"، المطبعة الاقتصادية بالرباط - ص 85.
(8) "مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفا"، النص المختصر الذي حققه الأستاذ الكبير عبد الله كنون - ص: 224، مع الرجوع إلى المخطوطة الكاملة المحفوظ بالمكتبة الملكية رقم: 274 - ص: 283- 284.
(9) ص: 128.
(10) ديوانه المخطوط الذي ينتظم مع ديوان والده في سفر خ. ع. د 3644- ورقة 48، 1- 50، 1.
(11) مخطوط خاص- عند حرف الراء.
(12) انظر: "تاريخ تطوان"، مجلد 3- ص 106 للأستاذ الكبير محمد داود
(13) ج: 2 ص: 198- 199، ومن الجدير بالذكر أن ما كتب هنا عن "ديوان الأمداح النبوية" مأخوذ من دراسة مخطوطة لصاحب المقال عن الموسيقى الأندلسية بالمغرب.
Commentaires