بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
س: لماذا الحديث الصحيح تقتصر صحته على الشيخين الجليلين البخاري ومسلم وهل هناك كتب الصحاح غير هذين الكتابين؟
ج: الحديث الصحيح عند المحدثين كثيرا ما يرتبط بالإمام البخاري ومسلم، لما لهما من مكانة عظيمة، وشهرة فائقة من خلال كتابيهما الصحيحين. وهناك كتب أخرى ككتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وهو أول كتاب صنف في هذا الشأن حيث اعتمد فيه التحري الشديد، والتمحيص الكبير في أحاديثه، حتى قيل عنه كان علم الناس في زيادة، وكان علم مالك في نقصان، ولو عاش الإمام مالك لأسقط علمه، وكذلك هناك كتب أخرى صنفت في الصحاح كصحيح لابن حبان، وصحيح ابن خزيمة، وكتب المستدركات كمستدرك الإمام الحاكم، وكتب المستخرجات كمستخرج الإسماعيلي، وأبي عوانة، لكن هذه الكتب انتقدها العلماء لتساهل أصحابها فيما يتعلق بتصحيح الأحاديث.
س: هل هناك ترجيح بين كتاب الصحيحين للبخاري ومسلم؟
ج: انقسم العلماء في ذلك إلى فئتين: الفئة الأولى ويمثلها جمهور المحدثين الذين قدموا صحيح البخاري على صحيح مسلم، والفئة الثانية ومنهم علماء أهل المغرب قدموا صحيح مسلم على صحيح البخاري، وعند التأمل نجد أن هذا الاختلاف في الحقيقة اختلاف شكلي، فالتفضيل بينهما تفضيل إجمالي لا تفصيلي، فعندما نتحدث عن الصحة نجد البخاري مقدما في ذلك، لاعتماده على الطبقة الأولى من الرجال، والشروط التي وضعها في الحديث المعنعن كاللقيا والمعاصرة، ولكن بالنظر إلى المنهجية والتأليف نجد أن مسلما مقدم على البخاري من هذه الناحية.
س: في ثنايا حديثكم ذكرتم كتبا التزم أصحابها الصحة كصحيح ابن خزيمة وابن حبان والمستدرك للحاكم هل سلم لهم بذلك؟
ج: هذه الكتب كصحيح ابن خزيمة وكتاب تلميذه ابن حبان ومستدرك الحاكم، حاول أصحابها أن يلتزموا فيها الصحة، لكن العلماء انتقدوا هذه الكتب لما لاحظوا من تساهلهم في تصحيح بعض الأحاديث، وقد أشار الإمام الذهبي في تلخيصه لكتاب المستدرك إلى احتوائه على ما هو صحيح من الأحاديث وما هو ضعيف بل ما هو موضوع كذلك.
س: ما معنى الحديث المتفق عليه؟
ج: هو الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم بمعنى متفق عند الشيخين وليس معناه أنه متفق عليه عند المحدثين جميعهم، وهو عند العلماء أعلى مراتب الحديث الصحيح، فالعلماء نظروا إلى الحديث الصحيح فوجدوا أنه مراتب، فهناك الحديث المتفق عليه، ثم ما أخرجه البخاري في صحيحه، ثم ما أخرجه مسلم في صحيحه، ثم ما كان على شرط الإمامين ولم يخرجاه، ثم ما على شرط البخاري ولم يخرجه، وما كان على شرط مسلم ولم يخرجه، وما أخرجه غير الشيخين وكان صحيحا.
س: ما المقصود هذا أصح حديث في الباب؟
ج: عندما تطلق هذه العبارة لا ينبغي أن يخطر في ذهننا على أن هذا الحديث صحيح، وإنما المقصود هو أنه في باب من الأبواب قد نجد حديثا أقوى من الأحاديث الأخرى، وقد يكون هذا الحديث ضعيفا، لكن من حيث التقويم فهو أرجح من الأحاديث الأخرى.
س: ما الفرق بين قول المحدثين هذا حديث صحيح وهذا حديث صحيح الإسناد؟
ج: فرق المحدثون بين المصطلحين، فالحديث الصحيح عندهم ما كان صحيح الاسناد وصحيح المتن، أما قولهم هذا الحديث صحيح الاسناد، فيتعلق بصحة الإسناد فقط، فقد يكون هناك شيء يقدح في صحة هذا الحديث في ثنايا المتن، فلا يلزم من صحة السند صحة المتن.
س: ما الفرق بين الحديث الصحيح لذاته والصحيح لغيره؟
ج: الحديث الصحيح لذاته: هو ما توفرت فيه شروط الصحة الخمسة وهي: اتصال السند، العدالة، الضبط، السلامة من الشذوذ والعلة.
والحديث الصحيح لغيره هو في أصله ليس صحيحا لذاته، بل هو حسن في أصله، بمعنى توفرت فيه شروط الصحة، غير أن رجاله أخف ضبطا من رجال الحديث الصحيح، ولكن رويت أحاديث من طرق أخرى عضدته، فارتقى من درجة الحسن لذاته إلى درجة الصحة، فصحته اكتسبها من غيره.
س: حديث جلسة الاستراحة[1] هل هو صحيح وما معناه؟
ج: هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه من طريق مالك بن الحويرث في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكون جلسة الاستراحة عندما ينتقل
المصلي من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى إلى الركعة الثانية، ومن السجدة الثانية في الركعة الثالثة إلى الركعة الرابعة، وهي جلسة خفيفة يأتيها المصلي في هذه المرحلة من الصلاة.
وقد اختلف العلماء في هذه الجلسة، فذهب الشافعي إلى أن جلسة الاستراحة سنة، بينما ذهب الإمام مالك وأبو حنيفة وغيرهم إلى أن جلسة الاستراحة ليست بسنة، ويستدلون بأدلة منها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك للمسيء صلاته عندما قال له أعد صلاتك فإنك لم تصل، وذهب بعض الفقهاء إلى أن جلسة الاستراحة مشروعة عند الحاجة فقط، إما لكبر في السن، أو عجز، أو مرض.
أما المالكية فقالوا إنها ليست من باب التعبد، ولو كان ذلك لذكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، والمدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، وعمل المدينة هو من قبيل الحديث المحفوظ، وما يخالفه هو الشاذ، والمحفوظ مقدم على الشاذ.
س: الحج عرفة[2] هل هذا حديث صحيح؟ وما معنى ذلك؟
ج: هذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن الملقن في كتابه البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الشرح الكبير،
والمقصود بهذا الحديث كما هو معلوم عند أهل اللغة هو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، فهذا يبين أن من الأركان الأساسية التي يقوم عليه الحج الوقوف يوم عرفة، وهذا لا يعني عدم الاتيان بباقي الأركان، بل لا بد من الاتيان بها جميعا. ومن فاته الوقوف بعرفة وجب عليه التحلل بعمرة، وعليه هدي، وقضاء الحج في العام القابل.
س: ما الحكمة من تخصيص هذا اليوم؟
ج: من بعض الحكم التي ذكرها العلماء في تخصيص هذا اليوم بالوقوف، تذكير الناس بما ينتظرهم بيوم الحشر بيوم القيامة، والتذكير أيضا بالوحدة الإسلامية، وأن الناس سواسية، ولا فرق بينهما إلا بالتقوى.
س: إذا ما ت ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له[3] هل هذا حديث صحيح؟ وما معناه؟
ج: هذا حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه، والنسائي وأبو داود والترمذي في سننهم،
وهو حديث يشير إلى قضية مهمة، وهي تفضيل الأعمال المتعدية على الأعمال اللازمة، فالأعمال المتعدية هي الأعمال التي تشمل مصالح الناس في الدارين، ويتعدى نفعها إلى الغير كصدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ذرية صالحة تأتي الخير بعده.
س: هل نفهم من ذلك أنه يشترط في الصدقة أن يجري نفعها؟
ج: نعم اسمها يدل عليها فهي صدقة جارية كما هو الشأن بالنسبة لبناء مسجد، أو بناء قنطرة، أو حفر بئر، أو غرس، فهي يستمر نفعها بعد موت من أسسها.
س: ماذا لو تعطلت الصدقة الجارية؟
ج: الإنسان إذا كانت نيته أنه يرجو دوام عمله بعد موته ثم وقع طارئ حال دون ذلك، فإنه يجازى على نيته، وذلك يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم أن الانسان إذا كانت له رواتب يواظب عليها ثم عرض له عارض من مرض مثلا كتب الله له أجرها وإن لم يصلها، فيجازى على نيته الأولى وإنما الأعمال بالنيات.
س: هل الولد إذا لم يكن صالحا هل دعاؤه لا يجري؟
ج: الحديث أشار إلى الولد الصالح لأن الوالد استفرغ جهده في تربيته من أجل أن يكون صالحا، فإذا كان صالحا، فلا شك أن بركة صلاحه تصله بعد مماته إلى قبره بما يقدمه من أعمال الخير.
س: إذا لم يكن ولدا ألا يدخل من هذا القبيل كدعاء المسلم لأخيه المسلم؟
ج: الدعاء بشكل عام يرتبط بكل من دعا، فإذا مات الإنسان ودعا له المسلمون بالمغفرة والرحمة، فإن ذلك يصله إن شاء الله تعالى، فثواب وأجر الدعاء يرتبط بمن دعا للميت.
س: ما معنى أو علم ينتفع به؟
ج: يقصد بذلك العلم النافع الذي تستفيد منه الأمة كمن ألف كتبا أو درسها، فكل هذه الأعمال يصل ثوابها وينتفع بها صاحبها في قبره.
س: من صلى البردين دخل الجنة هل هذا حديث؟ صحيح وما معناه؟
ج: هذا حديث صحيح متفق عليه، فهو من أعلى مراتب درجات الحديث الصحيح.
والمقصود بالبردين: صلاة الفجر وصلاة العصر، فالبردان في اللغة مأخوذ من من البرودة لأن في هذين الوقتين يطيب الهواء وتكون درجته منخفضة، وإنما حث على صلاة البردين لأن صلاة الفجر ينام عنها الناس وتحصل لهم المشقة في الاستجابة، وكذلك صلاة العصر ينشغل الناس عنها برجوعهم من أعمالهم، فلذلك ناسب أن يكون المقصود بالبردين صلاتي الفجر والعصر، وهناك حديث آخر يدل على هذا المعنى، وهو أن ملائكة الليل والنهار يتعاقبون في صلا ة الفجر وصلاة العصر، لكن المقصد العام هو المحافظة على الصلاة كلها كيفما كان نوعها.
س: هل يمكن أن نستند إلى هذا الحديث لتحديد الصلا ة الوسطى؟
ج: الصلاة الوسطى مما أخفاه الشرع الحكيم على الإنسان حملا له على أن يجتهد وأن يستفرغ وسعهم في الصلوات كلها، وقد اختلف العلماء في تحديد الصلاة الوسطى، وهذا الإخفاء يدخل في حمل الناس على المحافظة على الصلاة كلها كالاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان ويوم الجمعة وذكر اسم الله الأعظم.
س: هل يقصد من صلاها في الجماعة؟
ج: المقصود بالأولوية أن يصليها الإنسان في وقتها، وأن تكون على أتم صفة الصلاة بشروطها وأركانها وفرائضها، ويكون أجمل وأحسن إن صلاها في جماعة.
س: حديث صيام النبي صلى الله عليه وسلم أيام البيض[4] هل هذا حديث صحيح؟
ج: هذا حديث صحيح من الأحاديث المتفق عليها عند الشيخين، لكن اختلف العلماء في العمل بهذا الحديث، فذهب لإمام مالك إلى كراهة صيام هذه الأيام حتى لا يتخذها الناس فرضا ويعتقدوا وجوبها.
س: لما ذا سميت بأيام البيض؟
ج: هذا من باب المجاز، لأن القمر يكون قد استكمل استدارته وبياضه، لأن اليوم الثالث عشر والرابع عشر، والخامس عشر، تسمى بأيام البيض، لأن الضوء فيها يكون مضيئا وشديدا، فسماها العرب بهذا الاسم، فصارت معروفة بهذا الاصطلاح المجازي.
س: تركت فيكم واعظين: ناطق وصامت هل هذا حديث صحيح؟ والمقصود بناطق وصامت؟
ج: هذا حديث لا يصح، ذكره عدد من الوعاظ في مواعظهم، وبعض العلماء في كتبهم كعبد الحق الاشبيلي في كتابه العاقبة في ذكر الموت حيث رواه بصيغة التمريض للدلالة على أن هذا الحديث لا يصح، لكن معناه صحيح.
تركت فيكم واعظين الواعظ الناطق، والواعظ الصامت. فالواعظ الناطق: هو القرآن الكريم، والواعظ الصامت: هو الموت، فآيات القرآن الكريم آيات ذاكرات، فالقرآن يذكرنا ويوجهنا ويعظنا، وكذلك الموت، فالإنسان يتعظ به، ولاسيما عندما يكون في هذا المواقف غافلا، فيعتبر بما يشاهد، ويسمع، ويتذكر.
س: حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات[5]" هل هدا حديث صحيح؟ وما معناه؟
ج: هذا الحديث بهذا اللفظ لا يصح، وقد ذكره الإمام ابن عدي وعلق عليه بأنه حديث منكر من حديث ابن عباس، كما أورده الخطيب البغدادي من حديث أنس، وهو حديث ضعيف، فالحديث بهذه العبارة لا يصح.
س: ما المقصود بالحديث المنكر؟
ج: الحديث المنكر عند أهل الاصطلاح: هو الحديث الذي يرويه الضعيف مخالفا لما يرويه الثقات على عكس الشاذ: وهو الحديث الذي يرويه الثقة مخالفا لمن هو أوثق منه. فالحديث المنكر هو رواية الضعيف، أما الحديث الشاذ فهو رواية الثقة.
فالحديث لا يصح، لكن وردت أحاديث أخرى من طرق أخرى تعضد معناه، ومن ذلك ما رواه النسائي عن معاوية بن جاهمة السلمي: «أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها»[6] فالمقصود أن الولد إذا كان بارا بوالديه، فإنه ينال رضا الله تعالى وثوابه على ذلك، وهناك أحاديث أخرى تعضده أيضا ومنها:" رغم أنفه. ثم رغم أنفه. ثم رغم أنفه" قيل: من؟ يا رسول الله،قال: من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة"[7].
س: هل يجوز الترغيب بمثل هذه الأحاديث؟
ج: لا يجوز الترغيب بالأحاديث المنكرة لأن العلماء اشترطوا شروطا للاستدلال بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال ومن بينها:
الشرط الأول: ألا يكون هذا الحديث شديد الضعف، بمعنى أن يكون خفيف الضعف،
الشرط الثاني: أن يكون داخلا في أصل من الأصول، تشهد له القواعد العامة.
الشرط الثالث: ألا يعتقد عند روايته ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن يرويه بصيغة تسمى صيغة التمريض كأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بها النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يقول: قيل، وروي...
الأستاذ المصطفى زمهنى.
الحواشي:
[1] أخرجه البخاري، كتاب الآذان، باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته ثم نهض، رقم 823، وفيه، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ اللَّيْثِيُّ "أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدً".
[2] أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، رقم 1949، أخرجه الترمذي، كتاب أبواب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، رقم 889، أخرجه ابن ماجة، كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة الجمع، رقم 3015
[3]: أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد موته، رقم:1631 أبو داود، كتاب الوصايا، باب في الصدقة عن الميت، رقم: 2880 الترمذي، أبواب الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في الوقت، رقم: 1376
[4] أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب صيام الأيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، رقم 1981، وأخرجه مسلم
[5] أخرجه ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال، 8/65
[6] أخرجه النسائي، كتاب الجهاد، باب الرخصة في التخلف لمن له والدة، رقم: 3104
[7] أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب رغم أنفه من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخل الجنة، رقم 2551
Commentaires