الضبط والحفظ عند المحدثين

By Damssiri, 16 juin, 2023

 

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 

س: هل الضبط يقصد به المحدثون الحفظ أم هما معنيان متغايران؟ 

ج: الضبط هو الاتقان التام والحفظ الكامل للمرويات سواء كان هذا الحفظ حفظ صدر أو كان حفظ كتاب، ونعني بذلك أن الحفظ عند أهل الحديث يكون بالمعنى العام، فإذا كان الراوي يتكلم من صدره أي من حفظه فيجب أن يكون حفظه حفظا تاما، بحيث لا يمكن أن يقع فيما من شأنه أن يعد من مسقطات الضبط، وإن كان يحدث من وثيقة أو من كتاب أو من صحيفة، فينبغي أن تكون هذه الوثيقة منقحة مصححة، فالضبط هو أن يروي الراوي الحديث كما هو دونما أن يقع في هذا الحديث نوع من التصحيف، أو الإدراج، أو شيء مما يعتبر من أسباب الرد أو من أسباب اختلال الضبط عند أهل الحديث.

 

س: ما هي مسقطات الضبط؟

ج: مسقطات الضبط عند المحدثين هي عند الحافظ ابن حجر خمسة، وهي:

·           فحش الغلط. 

·           سوء الحفظ. 

·           الغفلة.

·           كثرة الأوهام. 

·           مخالفة الثقات. 

س: كيف يختبر المحدثون الرواة لمعرفة ضبطهم؟

ج: للمحدثين منهج دقيق لمعرفة المرويات وسبر أغوارها، وذلك من خلال ما حصلوه من عميق التوقف على هذه الأخبار، بالإضافة إلى الملكة التي يهبها الله عز وجل لخاصة علماء الحديث. ففحش الغلط عندهم يعرفونه من خلال تتبع مرويات الراوي، فعندما يكون خطؤه فيها أكثر من إصابته، يحكمون عليه بتلك الصفة، أما سوء حفظ الراوي فيعرفونه بكثرة إصابته في مروياته، وقلة خطئه. وهكذا.

 

س: هل هناك أثر في تصنيف الرواة بناء على الضبط؟

ج: نعم هناك أثر في قبول المرويات وردها، كما أن لها أثرا في تصنيف درجات الحديث.

 

س: هل يختلف النقاد في الحكم على الرواة؟

ج: نعم، هناك اختلاف بين النقاد في تصنيف الرواة وتجريحهم وتعديلهم، فمن العلماء من عرف بالتشدد في ذلك، ومنهم من عرف بالتساهل، وهذا لا شك له أثر في الحكم على الحديث.

س: حديث "من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من الدجال"[1]، هل الحديث صحيح؟ وهل الحفظ من أول السورة أو أي مكان؟

ج: هذا الحديث صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وفي رواية أن الحفظ من أول سورة الكهف، وفي رواية أخرى من آخر سورة الكهف، والمقصود بالحفظ هو الاستظهار بالإضافة إلى العمل بمقتضيات هذه الآية من حيث اعتقادها ومن حيث الإيمان بها. وقوله عصم من الدجال، هذا من أخبار الغيب التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم س، وقد تضمنت هذه السورة أيضا فتن الدنيا، وفتنها لا تخرج عن أربع إما فتنة دين، أو فتنة مال، أو فتنة علم، أو فتنة مسؤولية ورياسة. وقد تحدثت هذه السورة عنها كلها. والدجال سيفتن الناس في جميع هذا الفتن، فالسورة بما فيها من آيات تدعو إلى الإيمان والتوحيد للعصمة من هذه الفتن.

س: حديث "تعلموا السحر ولا تعملوا به"، هل الحديث صحيح، وهل تعلم السحر غير محرم والعمل به محرم؟ 

ج: هذا الحديث لا يصح، فهو لم يثبت ولا أصل له، وتعلم السحر من الأمور التي ينبغي للناس أن ينأوا بأنفسهم عنها، لأن هذا الأمر محفوف بالمخاطر وعالم موبوء، فالإنسان المؤمن الذي يحتاط لدينه ويستحضر خشية الله ينبغي أن يتجنب هذه الأمور، وأن يستفرغ جهده ووسعه لخدمة الأمة في العلم النافع والعمل الصالح

 

س: حديث: "ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم"[2]، هل هذا الحديث صحيح؟ 

ج: نعم هذا الحديث صحيح متفق على صحته، أخرجه الإمامان البخاري ومسلم، وهو يشير إلى نوع من الناس الذين يتخذون السؤال حرفة لهم، أو إنهم يعملون دائما على أن يسألوا غيرهم وهم ليسوا في حكم الحاجة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى".

فمن يحترف هذا الأمر يفتضح وتظهر حقيقته أمام الناس، وهذا جزاؤه يوم القيامة.

 

س: حديث: "من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة"[3] ، هل هذا الحديث ثابت؟ وهل يعني أنه من أدرك ركعة واحدة لا يقضي ما فاته من الصلاة؟ 

ج: هذا الحديث صحيح، أخرجه الإمام مالك في موطئه، واتفق عليه الإمامان البخاري ومسلم، ومعناه أن الإنسان إذا أدرك ركعة في جماعة، فإنه يكون في حكم من أدرك فضل الجماعة، ولكن وجب عليه أن يقضي ما فاته، وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم ضابط إدراك الركعة، بقوله "من أدرك الركوع فقد أدرك الصلاة".

والأجر يتفاوت في الصلاة بحسب إدراك الركعة كما في التبكير لصلاة الجمعة، فكلما كان التبكير كان الأجر أكثر.

 

س: حديث: "إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق"[4]، هل هذا الحديث صحيح؟ 

ج: هذا الحديث صحيح كما قال عنه علماء الحديث، أخرجه الإمام أحمد في مسنده كما ذكره الإمام البيهقي في شعب الإيمان، وذكر الرفق في المعاش، والرفق هو ضد العنف، فالرفق يكون بالتي هي أحسن، فهو يغاير العنف في كل شيء، ومعنى الحديث أدخل عليهم الرفق، أي أن الله جعل الرفق في سلوكياتهم وجعله حاضرا معهم في بيوتهم وفي معاملاتهم. وهذا المعنى له شواهد أخرى في أحاديث أخرى ومن ذلك ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها قال لها: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه".

فالرفق خلق عظيم، وشعبة من شعب الإيمان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجسد هذا الرفق في تصرفاته وأفعاله، ويوظف هذا الخلق في تعامله مع المخالفين والموافقين، فمن يحرم الرفق يحرم الخير.

 

س: حديث: " أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها"[5] ، هل هذا الحديث صحيح؟ وكيف عبر عن المساجد والأسواق بالبلاد؟

ج: الحديث صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، والمقصود هنا بالبلاد الأماكن، والحديث يشير إلى ما يغلب على هذه الأماكن، فأحب الأماكن عند الله المساجد بالنظر إلى ما يصنع فيها من ذكر وقراءة قرآن وصلاة وغيرها من العبادات، وأبغض الأماكن عند الله الأسواق بالنظر إلى ما يتفشى فيها من غش وتدليس وغبن وغير ذلك من الأمور، وإلا فثاني مؤسسة أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم السوق، فلا ينبغي أن يحمل على بغض هذه الأماكن مطلقا، بل الحديث تحذير مما يغلب عليها من كذب ويمين غموس، وغش...

 

س: حديث: "لا تمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا "هل هذا الحديث صحيح؟

ج: هذا الحديث لا يصح فهو ضعيف، وقد ذكر أبو حاتم أنه حديث منكر، فالمنكر اختلف فيه المحدثون، فقالوا: هو الذي يكون راويه قد فحش غلطه وساء حفظه، وكثر فسقه، وعرفه ابن حجر بأنه هو ما رواه الضعيف مخالفا لما رواه الثقات.

والتمارض هو أن يدعي الإنسان المرض وهو ليس كذلك، ومثل هذا لا ينبغي أن يتصف به المؤمن، لأن من صفاته أن يكون صادقا. 

 

س: قد يكون هذا التمارض تحايلا ربما يكون إثمه أشد فكم من واحد يتظاهر بالمرض من أجل أخذ إجازة؟

ج: هذه مخالفة شرعية، فالإنسان إن لم يكن مريضا، وتنتظره مهمة من المهام، أو رسالة من الرسائل التي ينبغي أن يؤديها، ولكنه يتلكأ بدعوى أنه مريض، فهذا أمر مخالف للشريعة، لأنه يكون بذلك قد ضيع حقوق غيره، ومن هناك يكون الإثم أشد، ولا سيما إذا كانت المهمة التي هو مكلف بها تتوقف عليها حاجات الناس وأمورهم. لذ ينبغي للمؤمن أن يتقي الله عز وجل في هذه التصرفات.

 

س: ما هي علاقة حفر القبور بالموت؟

ج: المقصود بقوله "لا تحفروا قبوركم فتموتوا": هذا مخالف لعقيدة المؤمن، لأنه من الغيب، لكن إن كان الأمر من باب الرقائق والزهد وذكر الموت وحمل النفس على قصر الأمل، فقد ثبت هذا عن بعض الصالحين، فإن كان الأمر هكذا، فهو داخل في الأمور المستحبة.

 

س: حديث: "خصلتان لا تجتمعان في منافق، حسن سمت ولا فقه في الدين"[6] هل هذا الحديث صحيح؟ 

ج: هذا الحديث ضعيف، أخرجه الإمام الترمذي، وقال عنه غريب، والإمام الترمذي عندما يقول في الحديث غريب فهو يشير غالبا إلى ضعفه. وذكره الإمام العقيلي في الضعفاء.

ومعنى حسن السمت: أن تكون الهيأة جميلة، وأن يكون الوقار على هذا الإنسان. أما فقه الدين، هو معرفة أسرار هذا الدين وحكمه، وأن يكون علمه مقرونا بعمله، والمنافق لا يتصف بهذه الخصلتين، فلا يتصف بالسمت، ولا بفقه دين، لما يكون عليه من خصال تبعده عن الدين كالكذب والخيانة ومخالفة الوعود.

س: حديث: "أجرأكم عن الفتوى أجرأكم على النار"[7] هل هذا الحديث صحيح؟ وما معنى أجرأكم عن الفتوى؟ 

ج: هذا الحديث ضعيف، ذكره الإمام الدارمي في مسنده، وهنالك من قال عنه إنه مرسل، وبعضهم قال إنه معضل، بمعنى أنه حديث ضعيف،

ماذا نقصد بالمعضل والمرسل؟

المعضل هو الذي سقط من سنده راويان اثنان متتاليان، أما المرسل فهو ما سقط منه الصحابي.

س: ما معنى أجرأكم عن الفتيا؟

ج: المقصود به التكلم في الدين بغير علم والإجابة بغير فقه، فمن يفعل ذلك يكون قد عرض نفسه للخطر الشديد، وعرض نفسه للنار. وهذا الكلام يشير إلى ضرورة توقير الفتوى وإلى احترام السؤال، والاحتياط في القول في الدين بغير علم.

س: هل يشير الحديث إلى مسؤولية المستفتي؟

ج: طبعا هذا هو الأصل، فعلى المستفتي أن يقصد أهل الشأن وأهل العلم، وعندنا في المغرب المجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه أمير المؤمنين المؤسسة المخول لها بالفتوى من خلال الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء.

 

مع فضيلة الأستاذ المصطفى زمهنى.



[1]-  كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، رقم: 809

[2] - أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب من سأل الناس تكثرا، رقم: 1474، وأخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة مسألة الناس، رقم: 1040

[3] - أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الصلاة ركعة، رقم 580، وأخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، رقم 607، وأخرجه الإمام مالك في موطئه، كتاب وقوت الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة، رقم 15

[4] - أخرجه الإمام أحمد، رقم 24428، والبيهقي، شعب الإيمان

[5] - أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد، رقم: 671

[6] - أخرجه الترمذي، أبواب العلم عن رسول الله، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: 2684

 

القسم
est_slider
Off
Fil Actualité
Désactivé

Commentaires