متى يعمل بالحديث الضعيف؟

By Damssiri, 30 mars, 2023

إن أهم ما ميز عمل المحدثين، الدقة الشديدة، والضبط الذي كان لهم مع نصوص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد استفرغوا وسعهم وجهدهم من أجل التمييز بين صحيح الأخبار وسقيمها، رغبة منهم بأن يكون النص صحيحا سليما كما قاله النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولبيان ذلك نقف مع الحديث الضعيف، باعتباره موضوعا مهما يحتاج إلى كثير تأمل وتدبر.

 

أولا -تعريف الحديث الضعيف وعدد أنواعه

 

الحديث الضعيف هو ما فقد شرطا من شروط الصحة، التي هي: العدالة، والضبط، واتصال السند، وعدم الشذوذ، وعدم العلة، فإذا اختل شرط من هذه الشروط كان الحديث ضعيفا.

وقد عبر الإمام البيقوني عنه بقوله:

       وكل ما عن رتبة الحسن قصر            فهو الضعيف وهو أقساما كثر

أما عدد أنواعه فقد أوصله العلماء إلى تسعة وأربعين نوعا، كما قال الحافظ العراقي:

وعده البستي فيما أوعى                       لتسعة وأربعين نوعا

وقد يصل العدد إلى أكثر مما أشار إليه الحافظ العراقي.

ثانيا - حكم العمل بالحديث الضعيف

انقسم العلماء في الحكم على الضعيف إلى ثلاث فرق:

-   الفريق الأول: يقول إن الحديث الضعيف حجة يعمل به.

-   الفريق الثاني: يقول إن الحديث الضعيف ليس بحجة ولا يعمل به.

-  الفريق الثالث: يقول بأن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، لكن بشروط، منها:

ألا يكون الحديث شديد الضعف.

أن يكون هذا الحديث مندرجا تحت أصل عام من الأصول الشرعية.

أن يكون الراوي عند روايته غير جازم بنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يرويه بصيغة التمريض كروي أو قيل...

وهذه الأقوال إنما قالها علماؤنا في الحديث غير المنجبر أو غير المعتضد، أما إذا كانت للحديث شواهد ومتابعات، والمتابعة إما أن تكون من الراوي نفسه فتكون متابعة تامة، أو من شيخه أو من فوقه فتكون متابعة قاصرة.

أو اعتضد بما يشهد له من قول الصحابي أو فعله، أو تلقته الأمة بالقبول، أو ما يكون من باب الإجماع، أو اعتضد بالنصوص العامة، من قرآن أو سنة صحيحة، فإن الحديث يتقوى ويرتقي من درجة الضعيف إلى درجة الحسن.

 

ثالثا: أمثلة تطبيقية

1-  حديث ضعيف معتضد بما شهدت له النصوص العامة من القرآن أو السنة الصحيحة؛ ومثاله ما أخرجه الإمام ابن ماجه في سننه ،قال: حدثنا بشر بن هلال الصواف حدثنا داود بن زبرقان عن بكر بن خنيس عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من بعض حجره، فدخل المسجد فإذا هو بحلقتين، إحداهما يقرأون القرآن ويدعون الله، والأخرى يتعلمون ويعلمون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" كل على خير، هؤلاء يقرأون القرآن ويدعون الله، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون ويعلمون، وإنما بعثت معلما فجلس معهم" وهو حديث في أصله ضعيف، وقد ضعفه العلماء بالنظر إلى صفات وأحوال بعض الرواة الذين وردوا في سند هذا الحديث، ومنهم "داود بن زبرقان" الذي ضعفه أهل الجرح والتعديل، و"عبد الرحمان بن زياد" الذي جرحه العلماء، و"بكر بن خنيس" الذي قال فيه العلماء بأنه ضعيف. ولكن وردت أحاديث أخرى تشهد لمعنى هذا الحديث، ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أبعث معنتا ولا متعنتا ولكن بعثت معلما ميسرا"، فهذا الحديث الصحيح أشار إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الله معلما ميسرا، وإذا تأملنا أيضا آيات القرآن الكريم سنجد أنها ذكرت أن من أهم مقاصد النبوة التي أراد الله أن تتحقق من بعثة الرسول وظيفة التعليم، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الامِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ (الجمعة:2).

وأن أول كلمة نزلت عليه صلى الله عليه وسلم هي اقرأ، وهي تحمل من الرسائل واللطائف ما يوحي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلم الناس، وغيرها من النصوص الحديثية والقرآنية التي تقوي الحديث وتعضده وينجبر بها، رغم ما قيل في رواته، فهذا الحديث وإن كان ضعيفا مردودا في أصله، فإن نصوصا أخرى قوته وعضدته، فأصبح صالحا للعمل، والاستشهاد والحكم به، داخلا في دائرة الحديث المقبول، وقد سمي عند بعض العلماء بالحسن لغيره.

2- حديث ضعيف معتضد بما تلقته الأمة بالقبول فصار عليه العمل، ومثاله ما أخرجه الإمام الترمذي: حدثنا علي بن حجر حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقضفهذا الحديث سلسلة رواته ورجاله كلهم عدول وثقات، وثقهم علماء الجرح والتعديل، وظاهر السند صحيح، إلا أن من المحدثين من أعله  بجملة علل، من بينها تعارض الوقف والرفع في هذا الحديث، فهناك من جعله موقوفا، وهناك من قال بأنه مرفوع إلى النبي صلى عليه وسلم، ومع ذلك فالإمام الترمذي أخرج هذا الحديث، لأنه عليه العمل وتلقته الأمة بالقبول، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على حكم أن من استقاء عمدا فليقض، وهو قول الجمهور، وهو ما يؤكد أن عليه عمل الأمة.

   فهذا الحديث رغم كونه ضعيفا، إلا أنه أصبح منجبرا ومعتضدا، أو حسنا لغيره، لأن الأمة تلقته بالقبول، ومن تم يكون صالحا للعمل به حتى في مجال الأحكام.

وختاما، إن انقسام العلماء حول الحديث الضعيف، إنما هو خاص بالضعيف غير المنجبر وغير المعتضد، أما الضعيف الذي يوجد ما يشهد له ويقوي نقصه وضعفه، فهو صالح للعمل به حتى في مجال الأحكام. وهو الأمر الذي نجده في جملة من الكتب أهمها جامع الإمام الترمذي الذي يستعمل عبارة، عليه العمل، ويعتبر الترمذي نموذجا حيا للمحاولات الجادة الذي وضعت الحديث الضعيف المنجبر في خانته الصحيحة السليمة، والتي تؤكد أن الحديث الضعيف إن كان ما يشهد له ويقويه فإنه يكون صالحا للعمل. فعلماؤنا وسعوا نظرتهم في النظر في الأحاديث بحيث لم يضعفوا الأحاديث أو يصححوها لراو مجروح أو راو ثقة فقط، وإنما بالنظر كذلك في متن الحديث ومدى مطابقته لنصوص الشريعة الشاملة والعامة ومقاصد الشريعة الإسلامية. ويخطئ من يزعم أن الحديث الضعيف ليس عليه العمل مطلقا، وكذلك من يزعم أن الحديث الصحيح عليه العمل مطلقا، وإنما لابد من هذه الموازنة الدقيقة والرؤية المتكاملة للتمييز بين الأحاديث فيما يكون صالحا للعمل به، وفيما لا ينبغي أن يعمل به. وبهذه الرؤية كانت الأمة الإسلامية متميزة في هذا المجال، وهو الأمر الذي نحتاجه اليوم للنظر إلى ما يصح من هذه الأخبار وما لا يصح، وما يعمل به وما لا يعمل به.

القسم
est_slider
Off
Fil Actualité
Désactivé

Commentaires