تباينت منهجية الحكم على الرواية بين المتقدمين في إنتاج الوصف المناسب للرواة تعديلا أو تجريحا، وبين المتأخرين الذين يأخذون هذا الوصف ويجرونه على جميع روايات الراوي دون مراعاة الاستثناء. وفيما يلي أهم سمات منهجهم:
منهج المتقدمين
لقد سلك المتقدمون مسالك عدة مكنتهم من امتلاك الأهلية والقدرة على تمييز الروايات وذلك بالاشتغال بالحديث، ثم الشهادة على الاشتغال، ثم جمع أحاديث الباب الواحد، ثم الرحلة الى الأمصار وجمع ما عند أصحابها من الروايات، ثم المقارنة بينها، ثم ملاحظة صنوف الاختلاف، ثم مراعاة العمل الذي كان يعطى له قيمة كبيرة في التمييز بين الروايات، ثم بعد ذلك ينتجون الوصف المناسب للراوي.
إضافة إلى ذلك فإن نقاد الحديث المتقدمين الذين كانوا ينتجون الوصف، كانوا يتصفون بأوصاف عظيمة، نص عليها علماء الجرح والتعديل أهمها:
- أن يكون حافظا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم متشربا لها حتى تصير مختلطة بلحمه ودمه، كي يستطيع كشف النكارة في بعض الروايات من خلال سماع سياقها، ويستطيع إطلاق الوصف بالموافقة على المتن والاستشهاد له، أو برده لمخالفته ما لا يجوز خلافه.
- أن تكون له معرفة حقيقية تعينه على استنتاج الوصف من خلال جمع الروايات، فإذا لم يكن حافظا للسنة ولم تكن له معرفة لا يقبل حكمه.
- أن يجمع طرق الروايات، ويرحل في طلبها حتى يميز بين أمرين مهمين: أمر النسبة أي نسبة هذا القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر المعنى أي هل يكون من قبيل المقبول أو المردود. ثم بعد ذلك تأتي عملية إنتاج الوصف أي إعطاء الوصف المستحق للراوي باعتبار ما غلب عليه واستحضار الاستثناءات.
نستنتج مما سبق أن المتقدمين كانت لهم جهود كبيرة في إنتاج الوصف من خلال تتبع روايات الرواة وسبرها ومقابلتها ومعارضتها ومقارنة بعضها ببعض حتى يخلصوا إلى الوصف المناسب للراوي مع مراعاة الاستثناءات، لأن الوصف يرجع إلى قدر الموافقة أو المخالفة، وهذا المسلك أي مسلك المعارضة والمقابلة بين الروايات وتمييز الاستثناءات سلكه كبار المحدثين أمثال البخاري ومسلم حيث خرجوا في كتبهم أحاديث لرواة تكلم فيهم.
منهج المتأخرين أو المعاصرين
اعتمد المتأخرون على الوصف الذي أنتجه المتقدمون من خلال التتبع والمقابلة بين الروايات، وأنزلوه منزلة الاطراد على جميع روايات الراوي على اختلافها دون مراعاة الاستثناءات، وهذا مسلك خاطئ للأسباب الآتية:
- لأنه مبني على الاجتزاء ولا يمكنه أن ينتج حقيقة كاملة تميز كل روايات الراوي.
- لا يراعي مسألة العمل الذي يعتبر أصلا مهما في تميز الاستثناءات الذي هو روح صنعة الحديث.
- لأنه يعطل منهج المتقدمين
- يدخل في السنن ما ليس منها
الخلاصة
يمكن القول أن شروط مشترطي الوصف عظيمة وقوية توجب إنفاق العمر في تتبع الروايات والمقابلة بينها، بينما صنعة المتأخرين فيها تجرؤ على التصحيح والتضعيف وتجاهل قدر الاستثناءات.
تلخيص الإمام المرشد: رشيد شعبي.
Commentaires