تساق في خانة المولديات مختلف النصوص الشعرية والنثرية التي تتغنى بظهور الرسول صلى الله عليه وسلم ولادة ونشأة، وهي نصوص انتعشت أساسا مع انطلاق الاحتفال بالمولد النبوي في الغرب الإسلامي خلال القرن السابع للهجرة مع العزفيين في سبتة، وهو الاحتفال الذي فتح آفاقا رحبة للتباري بين الشعراء بحضرة السلاطين استمطارا لما تتيحه مثل هذه المناسبة النفيسة للناظم من اعتراف ومجد وعطايا. كما كان من أسباب انتعاش القول في هذا الغرض ما حظي به الاحتفال بمولد "الفجر الأعظم" صلى الله عليه وسلم من احتفاء خاص لدى الطرق الصوفية، مما اقتضى العناية بنظم وتداول الأشعار الملائمة لهذه المناسبة الروحية الاستثنائية. وسواء تعلق الأمر بالاحتفالات الرسمية بالمولد النبوي أو بالاحتفالات الشعبية، فإن الإنشاد ظل ثابتا من ثوابت هذا الاحتفاء، الأمر الذي نجم عنه، وبشكل متواز، تطور القول وتدفقه في غرض المولديات شعرا ونثرا، وكذا تطور وتبلور أساليب تلحين ذاك القول وترنيمه بين المنشدين والذاكرين. على أننا نحصر دلالة هذا الغرض، على المستوى الشعري، فيما يتعلق بالنصوص المتغنية بمناقب النبي الكريم، سواء من حيث نسبه الشريف، أو من حيث ولادته وما واكبها من بشائر وأمارات وغرائب وخوارق، أو من حيث نشأته ويتمه ورضاعه وفصول تربيته وإرهاصات بعثته، مع ما يتخلل كل ذلك من إفصاح عن البهجة والسرور بمقدم شهر ولادته باعتباره لحظة قدسية متميزة في ذاكرة المسلمين ووجدانهم تؤرخ لظهور المصطفى بوصفه نورا وهدى ورحمة للعالمين.
المولديات الشعرية
من أشهر الأشعار التي تستعرض الخوارق التي صاحبت ولادة النبي الكريم «من ارتجاج إيوان كسرى وسقوط شرفاته، وغيض بحيرة طبرية، وخمود نار فارس، وكان ألف عام لم تخمد»، ما يُتغنى به من بردة البوصيري في قوله:
أَبَانَ مَوْلِدُهُ عَنْ طِيبِ عُنْصُـــرِهِ * يَا طِيبَ مُبْتَــــدَإٍ مِنْــهُ وَمُخْتَتَــــــمِ
يَوْمٌ تَفَرَّسَ فِيهِ الفُـــــرْسُ أَنَّهُـــــــمُ * قَدْ أُنْذِرُوا بِحُلُــولِ البُـؤْسِ وَالنِّقَـمِ
وَبَاتَ إِيوَانُ كِسْرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ * كَشَمْلِ أَصْحَابِ كِسْرَى غَيْرَ مُلْتَئِمِ
وَالنَّارُ خَامِدَةُ الأَنْفَاسِ مِنْ أَسَفٍ * عَلَيْهِ وَالنَّهْرُ سَاهِي العَيْنِ مِنْ سَدَمِ
وَسَاءَ سَاوَةَ أَنْ غَاضَتْ بُحَيْرَتُهَا * وَرُدَّ وَارِدُهَا بِالغَيْــظِ حِينَ ظَمِـي
كَأَنَّ بِالنَّــــارِ مَا بِالمَـــــاءِ مِنْ بَلَلٍ * حُزْناً وَبِالمَاءِ مَا بِالنَّارِ مِنْ ضَــــرَمِ
المولديات النثرية
أما المتون المولدية النثرية فقد اختصت بسرد قصة مولد النبي الكريم، والتي تحكي، في أسلوب سردي مشجع ونسيج تعبيري موقع، نفس المضامين المولدية الشعرية. وهي متون متعددة وكثيرة ذكر منها الشيخ عبد الحي الكتاني خمسة وعشرين ومائة مولد في ما كتبه عن "التآليف المولدية". ومع ذلك لم تستوف نشرته كل الموالد؛ بل إنها لم تستوف ذكر حتى الموالد المغربية؛ ذلك أن محبة الرسول الأكرم لدى أهل هذا البلد، وتنافس الدول المتعاقبة عليه في العناية بذكرى المولد النبوي الشريف؛ وتفننها في مظاهر وأشكال الاحتفال به؛ وانتشار تمجيد هذا العيد بين مختلف الشرائح الاجتماعية وعند سائر الطرق الصوفية، كل ذلك حفز جما من العلماء والأدباء والمتصوفة على تأليف موالد نثرية خاصة، منها ما عرف سبيله للانتشار والتداول؛ ومنها ما ظل عمل تبركا ذاتيا أو متداولا في منطقة محددة أو طريقة صوفية مخصوصة. على أن الموالد التي عرفت سبيلها للتداول أصبحت مكونا رئيسا من مكونات المجالس المديحية في المغرب، تنشد بمختلف الأنغام والطبوع، ويتفنن المنشدون في أدائها وترنيمها. ولم يعد ذلك مقتصرا على مناسبة الاحتفال السنوي بالمولد النبوي الشريف، بل كل إنشاد قصة المولد النبوي يصير ثابتا من ثوابت الإنشاد المديحي بالمغرب في مختلف المناسبات العامة والخاصة؛ أكانت هذه الأخيرة فرحا أو قرحا.
ومن أقدم هذه الموالد النثرية "التنوير في مولد السراج المنير" لأبي الخطاب عمر بن الحسن بن دحية الكلبي السبتي (تـ.633هـ)؛ و"الدر المنظم في مولد النبي المعظم"، وقد بدأ تأليفه أبو العباس أحمد العزفي السبتي (تـ.633هـ)، وأكمله ابنه أبو القاسم محمد (تـ.648هـ) وهو أول من احتفل بالمولد النبوي بالغرب الإسلامي استجابة لدعوة أبيه؛ ومن أشهر هذه الموالد اليوم تداولا في المغرب بين أرباب المديح النبوي يحفظونه ويقرؤونه في الحفلات الدينية العامة والخاصة؛ "إسعاف الراغب الشائق بخبر ولادة خير الأنبياء وسيد الخلائق"، لأبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني (تـ.1345هـ).
Commentaires