خطاب مولانا أمير المومنين بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للمجلس العلمي الأعلى بفاس

By admin, 5 avril, 2022

حضرات السيدات والسادة العلماء الأفاضل، يطيب لنا أن نرأس افتتاح أعمال هذه الدورة للمجلس العلمي الأعلى، بعد استكمال إرساء الصرح المؤسسي للحقل الديني، من مجالس علمية وأجهزة وتنظيمات مركزية وجهوية ومحلية، وتمكينها من الوسائل الكفيلة بإنجاح مهامها، قياما من جلالتنا بالأمانة التي نتقلدها كأمير للمؤمنين، في السهر على صيانة الملة والدين.

وقد أبينا إلا أن نشرك في هذا اللقاء، علاوة على أعضاء المجالس العلمية، الأعلى منها والمحلية، نخبة من العالمات والعلماء الأفاضل، اعتبارا منا لإسهامهم الفاعل في النهوض بالدور المنوط بها، تأطيرا وتوجيها، وإرشادا وتنويرا، مع الإصغاء عن قرب، للمواطنين في مشاغلهم الدينية، ولاسيما الشباب منهم.

وتفعيلا لتوجيهاتنا السامية، بشأن تحديد مرجعية الفتوى، التي هي منوطة بإمارة المؤمنين، أحدثنا هيئة علمية داخل المجلس العلمي الأعلى، لاقتراح الفتاوى على جلالتنا، وفيما يتعلق بالنوازل، التي تتطلب الحكم الشرعي المناسب لها، قطعا لدابر الفتنة والبلبلة في الشؤون الدينية، وإننا لننتظر منكم، أن تجعلوا من هيئة الفتوى، آلية لتفعيل الاجتهاد الديني، الذي تميز به المغرب على مر العصور، في اعتماده على أصول المذهب المالكي، ولاسيما قاعدة المصالح المرسلة، وقيامه على المزاوجة الخلاقة، بين الأنظار الفقهية والخبرة الميدانية.وبذلكم نقوم بتحصين الفتوى، التي هي أحد مقومات الشأن الديني، بجعلها عملا مؤسسيا، واجتهادا جماعيا، لا مجال فيه لأدعياء المعرفة بالدين، ولتطاول السفهاء والمشعوذين، ولا للمزاعم الافترائية الفردية.

وفي هذا السياق، قررنا أن تكون فاتحة أعمال المجلس العلمي الأعلى تكليفه، طبقا لما يراه من رأي فقهي متنور، بتوعية الناس بأصول المذهب المالكي، ولاسيما في تميزه بالعمل بقاعدة المصالح المرسلة، التي اعتمدتها المملكة المغربية، على الدوام، لمواكبة المتغيرات في مختلف مناحي الحياة العامة والخاصة، من خلال الاجتهادات المتنورة، لأسلافنا الميامين ولعلمائنا المتقدمين. وهو الأصل الذي تقوم عليه سائر الأحكام الشرعية والقانونية المنسجمة والمتكاملة، التي تسنها الدولة بقيادتنا، كملك وأمير للمؤمنين، في تجاوب مع مستجدات العصر، والتزام بمراعاة المصالح، ودرء المفاسد، وصيانة الحقوق، وأداء الواجبات.

كما نكلف اللجنة الدائمة لإحياء التراث، بالعمل على تحقيق كتاب "الموطإ"، لإمامنا مالك بن أنس، رضي الله عنه، تحقيقا علميا متقنا، يليق بموضوعه، وبالمكانة التي يحظى بها لدى المغاربة، وإننا لننتظر من هذه اللجنة استدراك ما فات طبعاته السابقة، وذلك بالرجوع إلى مخطوطاته المغربية الفريدة، ليطبع في حلة وطنية أصيلة، جديرة بالمغرب، كمنارة مشعة للفقه المالكي.

وإذ نؤكد عزمنا على المضي قدما في إصلاح الشأن الديني، الذي قطع خطوات هامة، باعتباره أحد أركان مشروعنا المجتمعي، فإننا ندعوكم وكافة العلماء المستنيرين، رجالا ونساء على حد سواء، إلى النهوض بالمسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتقكم، والانخراط في حركة الإصلاح الشامل الذي نقوده.

وإننا لنعول عليكم في الإسهام الفاعل، لتجسيد المواطنة الإيجابية، بالاجتهاد المنفتح على التطور والتقدم، مع الحفاظ على ثوابت هويتنا المتميزة، والإجماع الراسخ على مقدسات الأمة، من عقيدة وسطية، وملكية ديمقراطية، ووحدة ترابية، التي نحن بالبيعة الشرعية عليها مؤتمنون، وبسيادة الدستور وقوة القانون لها ضامنون، وعلى حرمتها ساهرون، سائلين الله تعالى أن يجعل التوفيق والسداد حليفكم.  
est_slider
Off

Commentaires