تقسيم الحديث باعتبار منتهى السند

By jalal, 18 février, 2022

السؤال: لا شك أن تقسيم الأحاديث يتعدد باعتبارات شتى، وقد تطرقنا معكم قبل هذه الحلقة إلى تقسيمات أخرى، نريد أن نقف مع فضيلتكم عند تقسيم الحديث باعتبار منتهى السند فما هي أحوال الحديث بهذا الاعتبار؟

الجواب: الحمد لله تعالى والصلاة والسلام على سيد المرسلين. وبعد، فجوابا على سؤالكم المتعلق بالتقسيمات المرتبطة بالحديث، لاسيما ما يتعلق بمعيار التقسيم وفق منتهى السند، معلوم أن العلماء قسموا الحديث وفق جملة من الاعتبارات، ومن هذه الاعتبارات ما يتعلق بمنتهى السند. ويقصد به من حيث قائله، أي من الذي قال هذا الحديث؟ ولذلك فيمكن القول إجمالا بأن أقسام الحديث وفق معيار منتهى السند تتحدد في الحديث القدسي، والحديث المرفوع، والحديث الموقوف، والحديث المقطوع.

السؤال: عندما نقول الحديث القدسي ماذا نقصد به أستاذنا الكريم؟

الجواب: الحديث القدسي على القول الراجح هو الحديث الذي يكون لفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله جل في علاه، حيث يقال مثلا: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه"، فالحديث القدسي هو الحديث الذي يكون بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم وبمعنى من الله سبحانه وتعالى.

هناك من العلماء من قال إن الحديث القدسي يكون لفظه ومعناه من الله جل في علاه، ولكن عند التحقيق فالقول الراجح على أن الحديث القدسي هو ماكان لفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله تبارك وتعالى)، حتى يكون هناك نوع من التمييز بين القرآن الكريم وبين الحديث القدسي على اعتبار أن كليهما وحي، وإن كانت بينهما فروق دقيقة وكثيرة جدا، منها أن القرآن الكريم إنما يثبت بالتواتر، وهذا لا يتحقق للحديث القدسي. بالإضافة إلى أن القران الكريم يُتعبد بتلاوته، وهذا غير حاصل بالنسبة للحديث القدسي، فلا يصح مثلا أن يقرأ القارئ في صلاته بالحديث القدسي، ثم مسألة أخرى وهي تتعلق بالإعجاز، فالقرآن الكريم معجِز بلفظه ومعناه، وهذا لا يتحقق بالنسبة للحديث القدسي، بالإضافة إلى جملة من الفروق الأخرى التي تحدث عنها العلماء وهي كثيرة جدا.

السؤال: ماذا عن الفرق بين الحديث القدسي وباقي الأحاديث النبوية؟

الجواب: الفرق بين الحديث القدسي والأحاديث النبوية، هو أن الحديث القدسي يكون معناه من الله فهو وحي من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

السؤال: قد يقول لك قائل أستاذنا الكريم حتى في الأحاديث العادية النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أي أن كليهما من الوحي؟

الجواب: صحيح القرآن والسنة النبوية الشريفة بشكل عام وحي، والعلماء تحدثوا عن ذلك منهم ابن حزم حيث أشار أن السنة هي وحي أيضا، لكن عندما نتحدث عن الفرق نقصد على أن الحديث القدسي هو الحديث الذي يكون معناه من الله جل في علاه، ويوصله النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس بلفظه، والأحاديث النبوية الشريفة تكون بالمعنى واللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم. وإلا فإن كل ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو وحي كما عبر عن ذلك القرآن الكريم ذاته.

السؤال: هل يمكن أن يتصور في الحديث القدسي أيضاً قضية الوضع والضعف والأمور التي نجدها في الأحاديث العادية؟

الجواب: نعم يمكن أن يرد ذلك في حق الحديث القدسي، لأن الحديث القدسي هو في نهاية المطاف وإن كان معناه من الله جل في علاه، فلفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنه ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال روايته عن ربه سبحانه عز وجل، والوضاعون والكذابون في كل مكان وكل وقت دائما يحاولون أن يضيفوا إلى الدين ما ليس منه، وقد توسلوا في ذلك بجملة من الأمور سواء تعلق الأمر بالوضع في الحديث القدسي، أو بالوضع في الحديث النبوي الشريف، لأن الوضع له غايات ومرام ذكرها العلماء في مواضع كثيرة.

 والحديث القدسي قد يكون ضعيفا وقد يكون صحيحا وقد يكون موضوعا...

السؤال: هذا بالنسبة للقسم الأول أستاذنا الكريم، القسم الثاني ذكرتم أنه الحديث المرفوع فما المقصود به؟

الجواب: هو الحديث الذي أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء تعلق الأمر بقوله صلى الله عليه وسلم أوفعله أوتقريره أوبصفة خِلقية أوخُلقية، أي إن منتهاه إلى رسول صلى الله عليه وسلم.

السؤال: هل يفترض أن يكون متَّصل الإسناد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: الاتصال ليس شرطا ليسمى الحديث بالحديث المرفوع، لأن الحديث المرفوع -كما علمنا- هو الذي يضاف إلى رسول صلى الله عليه وسلم، وقد يكون منقطعا أو متصلا. ولذلك الحديث المرفوع قد يكون صحيحا إذا استوفى شروط الصحة، وقد يكون حسناً أو ضعيفا أو موضوعاً. إذن مسألة الاتصال في الحديث ليسمى هذا الحديث بالحديث المرفوع ليست شرطاً في تسميته الحديث بالحديث المرفوع.

السؤال: التقسيم الثالث هو الحديث الموقوف كما ذكرتم ما المقصود به؟

الجواب: الحديث الموقوف هو الحديث الذي يكون مضافاً إلى الصحابي ولذلك عبر عنه البيقوني بقوله:

وما أضفته إلى الأصحاب من   قول وفعل موقوف زُكن

بمعنى عُلم، فموقوف زُكِن بمعنى أنه الحديث الذي يصدر عن الصحابي الكريم سواء تعلق الأمر بفعله أو بقوله أو بتقريره .

السؤال: قد يكون هذا الموقوف بحكم المرفوع أليس كذلك؟

الجواب: بلى، علماء الحديث أحيانا يُسمّون الحديث الموقوف في حالة من الحالات بقولهم حديث موقوف له حكم الرفع، ويقصدون بذلك أن هذا الحديث وإن لم يكن مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل صريح، فيما يستحيل أن يكون صادرا من تلقاء الصحابي ذاته، وإنما لاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بذلك فبلّغ الصحابي الكريم ذلك وإن لم يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني الأمور التي يقولها الصحابي ولا يمكن أن تكون صادرة عن اجتهاده أو شيء من هذا القبيل كالأمور الغيبية أو بعض الأمور التعبدية المحضة، فهذه المسائل يقول فيها العلماء بأن الحديث وإن كان موقوفاً فله حكم الرفع.

السؤال: القسم الرابع من أقسام الحديث باعتبار منتهى السند كما ذكرتم المقطوع، ماذا نقصد بالمقطوع؟

الجواب: الحديث المقطوع هو الحديث الذي يكون مضافاً إلى التابعي، ولذلك عرّفه البيقوني بقوله

وما أضيف للنبي المرفوع   وما لتابعٍ هو المقطوع

على أن هنالك من العلماء من كان يقصد بالحديث المقطوع الحديث المنقطع كما عند الشافعي وعند الطبراني، غير أنه عند التحقيق هنالك فرق بينهما، فالمقصود بالمقطوع هو ما قاله التابعي، أما الحديث المنقطع هو ما وقع في سنده سقط، وبهذا يتضح الفرق بين المنقطع والمقطوع.

السؤال: بالنسبة للاحتجاج هل المقطوع في نفس مرتبة الموقوف؟

الجواب: العلماء تكلموا عن الاحتجاج بهذه الأحاديث وفصلوا في ذلك تفصيلا، فيما يتعلق بالموقوف هو قول الصحابي أو فعله أو تقريره وقع في ذلك خلاف بين العلماء.

والمعروف في مذهب مالك أنه حجة، وبذلك نجد أن الإمام مالكا اعتمد من ضمن ما اعتمد عليه ما يسمى بعمل أهل المدينة. واعتماده على عمل أهل المدينة إنما كان لأنه كان يرى أن عمل الصحابة إنما هو حجة ويشكل الصيغة النهائية للسنة النبوية الشريفة. وهنالك من يرى أن عمل الصحابة أو أن الموقوف بشكل عام ليس حجة، وهناك من فصّل وقال: إن الحديث الموقوف يكون حجة ما لم يخالف القياس. أما ما يتعلق بالحديث المقطوع فالذي عليه العلماء أنه ليس حجة ولاسيما في مجال الأحكام.

السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) هل هذا الحديث صحيح أم فيه شكوك؟

الجواب: الحديث صحيح أخرجه الإمام البخاري، ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى أن دخول الجنة يرتبط بطاعة ربه عز وجل وطاعته صلى الله عليه وسلم، وأن عصيانه ومبارزة الحق سبحانه عز وجل بالمعاصي، إنما هو داخل في قوله فقد أبى، ولا أحد يأبى، ولكن المعنى أن هذا الدين هو يسير وأن من سار على نهجه واهتدى بسنة نبيه سهل الله عليه الطريق إلى الجنة. والدخول إلى الجنة سهل لمن سهله الله عز وجل عليه سِيَما إذا كان هذا العبد السائر إلى مولاه سبحانه عز وجل مستحضرا لهذه الأوامر والتوجيهات الربانية. فالإنسان إذا اتقى ربه عز وجل وأطاع نبيه صلى الله عليه وسلم فلا شك أن الطريق تكون سهلة معبّدة إلى الجنة، على عكس من فرّط في جنب الله تعالى وعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شك أنه يعيش مشكلات وصعوبات تبعده عن توفيق الله عز وجل وتسديده له في أن يسير السير الصحيح السليم لينال ذلك الفوز الأعظم وهو الجنة.

السؤال: قال رسول الله صلى الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا الدهر فأنا الدهر) هل هذا الحديث صحيح؟ وكيف يصف الله عز وجل نفسه بالدهر، وهو الذي خلق الزمان والمكان؟

الجواب: هذا الحديث النبوي الشريف "لا تسبوا الدهر" هو حديث صحيح اتفق على إخراجه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو أعلى درجات الحديث الصحيح، لكن هذا الحديث يحتاج إلى نوع من التدقيق في فهمه، وإلى تأمل في إدراك معناه، لأن الله يقول في حديثه "وأنا الدهر"، فقد يتوهم متوهم على أن الله هو الدهر، أو قد يقول: هذا من أسماء الله الحسنى.

ولذلك نجد داود قرأ (الدهر) قراءة بالفتح بفتح الراء "وأنا الدهرَ"  لم يقل "وأنا الدهرُ" فراراً من هذا الفهم الذي يمكن أن يوهم المستمع على أن الدهر هو الله أو من أسماء الله . والذي يؤكد هذا حديث نبوي شريف صحيح أيضاً متفق عليه، جاء فيه (يؤذيني ابن ادم يسب الدهر وأنا الدهر).

وسياق هذا الحديث هو ما كان عليه العرب، حيث كانوا ينسبون ويرجعون ما يقع لهم من مصائب ومشكلات إلى الزمان، وهو اعتقاد فاسد عندهم، كانوا يسبون الأزمنة والأوقات ويسبون الدهر إيمانا منهم واعتقاداً منهم بأن السبب في ذلك هو الزمن أو الدهر، فأراد الحديث أن يهذّب الأفكار ويوجه التصورات ويصحح المعتقدات ببيان أن المسألة لا تتعلق بالدهر، وإنما كل ذلك بيد الله جل في علاه، وهناك حديث آخر يؤكد ذلك (بيدي الأمر أُقلّب الليل والنهار)، ولا يمكن أن نقول إنه اسم من أسماء الله تعالى، لأن الله عز وجل هو الذي خلق الزمان و المكان، فالله سبحانه متصفٌ بالكمال المطلق ومنزه عن كل نقص وتشبيه.

السؤال: هل نفهم من ذلك أنه لا يجوز أيضا سبُّ الصنعة، وأنها سبٌّ للصانع؟

الجواب: في الحقيقة السبُّ ممنوع في كل الأحوال، لأن السِّباب ليس من أخلاق المسلمين، وليس من صفاتهم ولاسيما سب الإنسان الصنعة، فإنه يسب صاحبها بشكل غير مباشر، ولذلك جاء هذا الحديث ليلفت النظر إلى هذه المسألة، "لا تسبوا الدهر فأنا الدهر". الله جل في علاه هو الذي خلق الزمان، هو الذي خلق الدهر، فلذلك لا ينبغي للمسلم أن يسقط في هذا السلوك غير السليم، وإنما يتعين عليه أن يفوِّض أمره كله إلى الله من أجل الإيمان بالقضاء والقدر، ولحمل هذا الإنسان على أن يكون مؤمنا حقا.

السؤال: هل يمكن أن يتعارض هذا الحديث بحديث آخر (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها)؟

الجواب: ليس هناك تعارض، لأن الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالم ومتعلم)، يبين لنا قدر الدنيا وقيمتها، أي لا ينبغي للإنسان أن يلهث وراء الدنيا، بأن يعطي نفسه كلها لهذه الدنيا حتى لا تنسيه عن أساس وجوده وأساس كينونته وهي عبادة الله، فلذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى أن هذه الدنيا محتقرة، وأن الإنسان ينبغي أن يجتهد فيها بالعلم والتعلم وذكر الله جل في علاه، إذاً ليس هناك تعارض، لأن المقصود هنا باللعن ليس هو السب، وإنما هو الاحتقار والازدراء، وأن الدنيا لا قيمة لها مقارنة مع ذكر الله تعالى وبالعلم والتعلم.  ﴿ المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا﴾ فالباقيات الصالحات ذكر من الأذكار والعلم ذكر من الأذكار، فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يبين ما ينبغي أن يصرف إليه المؤمن همَّته بالكلية ويتعلق الأمر بالعلم والذكر.

السؤال: هل يمكن أن يعتبر من السب مثلا وصف الدهر بأنه شديد أو حار أو بارد يعني الشكوى من الدهر، هل يدخل في هذا الصدد؟

الجواب: هنالك فرق بين السبّ والوصف، عندما نقول بأن الحرارة مرتفعة اليوم، أو بأن البرودة موجودة اليوم، أو أن أحوال الناس اليوم أصبحت شديدة، فهذا ليس سباً بل هو وصف، والوصف هو أن تخبر عن ما عليه الأمر في واقعه. أمّا السب ففيه نوع من المعتقد، وهو أنك تعبر عن عدم ارتياحك وقبولك لما عليه الأمر، وفي هذا يكون البعد العقدي حاضراً كما كان الأمر عند العرب فيما أشرنا إليه قبل.

السؤال: (الساكت عن الحق شيطان أخرس) هل هذا حديث صحيح وما المقصود منه؟

الجواب: هذا الكلام ليس حديثا، وإنما هو كلام لبعض أهل العلم، حيث قال: (الساكت عن الحق شيطان أخرس، والناطق بالباطل شيطان ناطق)، فهذا كلام صدر عن بعض أهل العلم وظن بعض الناس أنه حديث. وقد يكون معناه صحيحاً لكن ليس بهذا الوصف، لأنه لا يمكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصف مؤمنا بالشيطان الناطق أو بالشيطان الأخرس، فمهما كان المؤمن فهو مؤمن وحرمة المؤمن عند الله جل في علاه حرمة معروفة ومعلومة، لذلك هذا الكلام ليس بحديث.

السؤال: هناك حديث آخر يقول إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه...؟

الجواب: طبعاً هنالك أحاديث تمشي في نفس السياق، وفيها أن الأمة الإسلامية ينبغي أن تتضافر جهودها من أجل تحقيق المعروف، ومن ذلك هذا الحديث الذي أشرتم إليه، وكذلك حديث (من رأى منكم منكراً فليغيره)، وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم مستويات هذا التغيير سواء كان الأمر باليد أو باللسان أو بالقلب.

السؤال: ما هي حدود تغيير المنكر مثلا؟

الجواب: أولا قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن لا يغرب عن بالنا أمر مهم جدا، وهو أنها قضية تعتمد على العلم، ولذلك علماؤنا تحدثوا عن هذه المسألة وقالوا بأنها تنتابها الأحكام الثلاثة التي تتجسد فيما يلي:

  • قد يكون تغيير المنكر حراماً وذلك إذا أدّى تغييره إلى منكر أكبر منه.
  • قد يكون تغيير المنكر واجباً إذا تيقن أن تغييره سيؤدي إلى زواله في أصله أو في الحد منه أو التنقيص من درجته...
  • قد يكون محل نظر واجتهاد إذا كان الأمر يحتاج إلى نظر واجتهاد، فالمسألة مبنية على علم.

السؤال: إذا بناء على هذه الشروط لا يحق لأي شخص أن يغير المنكر ويأمر بالمعروف؟

الجواب: لا يمكن أن يكون أمر تغيير المنكر مفتوحا أمام كل أحد، وإلا سيؤدي ذلك إلى فوضى وإلى مشكلات، ولذلك نأخذ من هذا الحديث أن التغيير يكون إما باليد، وهذا من اختصاص الجهة التي تتولى تدبير أمور البلاد، أو يكون باللسان بالنسبة للعلماء، أو يكون بالقلب بالنسبة لغير العلماء أي لعموم الناس، لأنه إذا فتح هذا المجال سيخرج هذا الأمر عن إطاره العلمي وسيرى كل واحد منكراً وفق هواه، وبهذا تختل الحياة وتضطرب موازينها ، قال الله عز وجل ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾، وهذا فيه دليل على أن ليس كل أحد مؤهلاً للحديث عن تغيير المنكر، وإنما المسألة كما هو معروف شرعاً إنما يتولاها كل أحد في اختصاصه، وفق مسؤوليته ومَهَمّته التي استخلف فيها.

السؤال: (ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله عز وجل إلا غفر الله)، هل هذا الحديث صحيح وما معنى يحسن الطهور؟

الجواب: هذا الحديث الذي أشرتم إليه هو حديث تُكلِّم فيه، بين من ضعّفه وبين من حسّنه، فقد أخرجه الإمام الترمذي وأخرجه النسائي وابن ماجه، وبالنظر إلى مجموع الطرق يرتفع فيكون حسناً، بمعنى أنه حديث مقبول، وفي هذا الحديث منقبة عجيبة لأمة الإسلام، وهي أن الإنسان إذا أذنب ثم عاد إلى ربه من خلال ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل يغفر ذنوبه ويكفر عنه سيئاته، ولذلك قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث ﴿والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم﴾. فالإنسان مهما فرّط في جنب الله تعالى، إذا تاب وأناب، فإن الله تبارك وتعالى يغفر له ويرحمه.

السؤال: إذاً يشترط في الاستغفار التوبة؟

الجواب: نعم إذا كانت التوبة فهذا أفضل وأجمل، لأن التوبة معناها أن الإنسان يقطع مع ما مضى ويعزم ألاّ يعود، ويندم على كل ما وقع فيه عندما يتذكره، بحيث يجد نوعاً من الأسى والأسف على ذلك، أما الاستغفار فهو مفتوح في كل وقت وحين كما التوبة كذلك.

ولذلك من الأمور التي وردت في القرآن الكريم مطلقة وغير مقيدة بزمان ومكان، ما يتعلق بذكر الله تعالى والاستغفار والتسبيح. والله عز وجل يقول ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا﴾، ومن رحمة هذا الدين أن هنالك أشياء مقيدة بزمان ومكان بها يتوب الإنسان إلى ربه وبها يستغفر خالقه سبحانه وتعالى، وهناك أشياء مطلقة غير مرتبطة بالزمان والمكان، فأما المرتبطة بالزمان والمكان كالصلاة، والحج، والصيام، والزكاة...، أما التوبة والاستغفار والذكر فهي أمور مفتوحة في وجه الإنسان في كل زمان ومكان.

أما سؤالكم عن كيف يُحسن الطهور، فمعنى أن يتوضأ الوضوء الصحيح السليم مستحضراً النية في أن يغفر له ربه جل في علاه، وقد ورد ذلك في حديث فيه ( أن العبد إذا تمضمض خرجت خطاياه من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، وإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظافره، واذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من ثقب أذنيه، وإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظافر رجليه ...) ، فهذا فيه أنه إذا توضأ وأحسن الوضوء واستحضر النية فالله عز وجل غفور رحيم.

السؤال: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) هل هذا حديث صحيح؟

الجواب: هذا الحديث ضعيف، أورده "البيهقي" في سننه، كما أورده أيضا الإمام "ابن عساكر" في معجمه، وقال عنه أهل الصنعة بأنه ضعيف، لكن ضعفه لا يمنع من أن يدعو الإنسان ربه عز وجل بدعاء مطلق بأن يبلغه رمضان. وقد كان من سير الصحابة والسلف الصالح هذا الأمر، كانوا يرجون أن يبلغهم ربهم عز وجل شهر رمضان، لأنه فرصة لفتح صُلحٍ مع خالقهم وفرصة للترقي في مدارج الإيمان، وفي تحقيق الخيرات والبركات التي يمتلئ بها هذا الشهر الفاضل كما هو معلوم.

السؤال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) هل هذا حديث صحيح؟

الجواب: هذا حديث صحيح عند بعض العلماء وضعيف عند البعض الآخر، أخرجه الإمام الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وصحّحه الحافظ ابن عبد البر ووصفه الإمام الترمذي بقوله حسن صحيح، لكن هناك من ضعّفه منهم الإمام أحمد وابن رجب وكذلك الذهبي.

واستند من ضعّفه إلى جملة من الأمور منها أن هذا الحديث انفرد به "العلاء بن عبد الرحمان"، وهو مُتَكَلَّم فيه، ثم قال إنه يخالف حديثاً آخر صحيحا، والذي ورد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا فقال (لاتقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، من كان يصوم صوماً فليصمه). وقدجمع العلماء بين هذين النصين، فقالوا إذا انتصف شعبان ينصرف إلى من لم تكن له عادة الصيام، فهذا لا ينبغي أن يصوم، بل عليه أن يستريح لأجل الاستعداد لصيام شهر رمضان، وأما الحديث الصحيح الذي فيه (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين)، ففيه جواز الصيام بعد النصف، وهو لمن كانت له عادة في الصيام كصيام الاثنين والخميس، أو من كان عليه قضاء.

السؤال: (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) هل هذا حديث؟

الجواب: هذا الحديث تحدث عنه العلماء بين من قال إنه ضعيف جداً، ومن قال إنه موضوع، ولذلك أورده الإمام السيوطي في كتابه "اللآلئ المصنوعة" ، كما أورده ابن حجر العسقلاني في كتابه "العجب فيما ورد في رجب" ووصفه بأنه ضعيف جداً، وكذلك ابن الجوزي أورده ضمن الموضوعات، وذلك لأن في سنده أبا بكر بن الحسن النقاش، وقد قيل عن بأنه متروك الحديث، فلذلك هذا الحديث موضوع أو ضعيف جداً أو متروك، وليس حجة ولا يصح الاحتجاج به.

السؤال (إكرام الميت دفنه)، هل هذا الحديث صحيح وما معناه؟

الجواب: قال عنه الإمام السخاوي في المقاصد الحسنة لم أقف عليه مرفوعاً، لكن هناك أحاديث تشهد لمعناه، من ذلك وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي عندما قال له (ثلاث لا تؤخرهن ومنها الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت كفؤاً)، وهذا الحديث وإن كان في سنده ضعف لكن معناه صحيح، وقد شهدت له جملة من الأحاديث الأخرى الصحيحة منها أمره صلى الله عليه وسلم (أسرعوا بالجنازة...)

السؤال: هل صحيح أن الجنازة إذا كانت صالحة تقول قدموني قدموني؟

الجواب: نعم هذا ورد فيه حديث للإمام البخاري فيه (إذا وُضعت الجنازة واحتملتها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة تقول لأهلها يا ويلها أين يذهبون بي)، وهذا فيه دليل على أن الميت كما هو معلوم يرى مصيره وهو محمول على أكتاف العباد، فلذلك كل المخلوقات تنتبه إلى هذا باستثناء الإنس والجن، فالله عز وجل رحمة بنا خفف عنا بعدم سماع هذا عن الميت حتى لا نصاب بما يذهب عقولنا.

ذ. المصطفى زمهنى

 

 

القسم
est_slider
Off

Commentaires