ختم صحيح البخاري عند المغاربة

لم يزل ملوك المغرب يرعون مجالس الحديث النبوي منذ عهد المولى إدريس الأكبر مؤسس الدولة المغربية، ومن مظاهر العناية بتلك المجالس أن جعلوا مجالس احتفالية اصطلح عليها بـ «الختم»، وكانت تصاحب هذه المجالسَ مظاهرُ  في قالب علمي يقوي صلة الناس بأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام. 

وقد كان أبو الحسن المريني يكثر من سماع صحيح البخاري، قال زروق: «كان أحب الأيام إليه سماع الحديث، يقرأ بين يديه، وكان يستكثر من سماع جامع البخاري، قرأته عليه مرات». كما كانت تُعقد لصحيح البخاري مجالس في رمضان أيام المنصور الذهبي، قال أبو العباس الناصري: «هكذا كانت سيرته في شهر رمضان عند ختم صحيح البخاري، وذلك أنه كان إذا دخل رمضان سرد القاضي وأعيان الفقهاء كل يوم سفرا من نسخة البخاري، وهي عندهم مجزأة على خمسة وثلاثين سفرا في كل يوم سفر إلا يوم العيد وتاليه فإذا كان يوم سابع العيد ختم فيه صحيح البخاري وتهيأ له السلطان أحسن تهيؤ».  

وقد كانت خُتم «صحيح البخاري» لعدة مناسبات، كما حصل عندما كان الجيش المغربي يستعد بمراكش للخروج لمقابلة البرتغال في معركة وادي المخازن بقيادة السلطان السعدي، فعندما عقد المنصور السعدي الراية للجيش في طريقه إلى وادي المخازن وسط جامع المنصور بمراكش، ختم عليها أهل الله حملة القرآن مائة ختمة، وصحيح البخاري، وصحبوا ذلك بالتهليل والتكبير، والصلاة والسلام على البشير النذير، والدعاء بالنصر والتمكين. كما كان يختم صحيح البخاري، بمناسبة تدشين القصور والمساجد والمدارس، فقد أقام السلطان الحسن الأول عندما أتم بناء قصره بالرباط، حفلا عقد في القصر نفسه، وختم فيه "الصحيح" ختمة علمية حضرها الأمراء ورجال الدولة وكبار الشيوخ والعلماء. 

أشهر ختمات صحيح البخاري

• "ختمة صحيح البخاري" المسماة "إظهار نفائس ادخاري المهيآت لختم كتاب البخاري" لأبي العباس أحمد بن قاسم ساسي البوني المتوفى سنة 1139ه.
• "ختمة البخاري" لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمان الفاسي المتوفى سنة 1144هـ.
• "ختمة البخاري" لمحمد بن حمدون بن الحاج المتوفى سنة 1274هـ.
• "ختمة البخاري" للشيخ العربي بن السائح المتوفى سنة 1309هـ.
• "ختمة البخاري" المسماة "عون الباري على فهم آخر تراجم صحيح البخاري" لأحمد بن الطالب بن سودة المتوفى سنة 1321هـ.
• "ختمة صحيح البخاري" للشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني المتوفى سنة 1327هـ.
• "ختمة البخاري" لأحمد بن موسى السلوي المتوفى سنة 1328هـ.
• "ختمة البخاري"  للتهامي بن المدني كنون المتوفى سنة 1331هـ.
• "شرح ختم صحيح البخاري" لمحمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة 1345هـ.
• "ختمة البخاري" لمحمد المكي البطاوري المتوفى سنة 1355هـ.
• "ختمة البخاري" لمحمد المدني بن الحسني المتوفى سنة 1378 هـ.

 وقد جرت العادة أن ينهي الخاتم مجلس الختام بدعوات وابتهالات مشهورة وصلوات على النبي الكريم،  مستمدة من الحديث الشريف، ومن آثار العلماء والصالحين، وقد يكون الاختتام بقصيدة شعرية في الكمالات المحمدية، أو بالتسبيح لنيل الفضل العظيم الوارد في آخر حديث في الصحيح، كما يحتفى بالخاتم عند نهاية ختمته، حيث تلقى في المجلس قصيدة أو قصائد للتنويه به وبالفن المختوم، كما يحتفى به حيث يحمل على الكواهل والأكتاف في موكب ضخم إلى داره، وتقدم الأطعمة إلى المحتفلين، وقد تقدم إليه بعض الهدايا والصلات.

قراءة وختم لصحيح البخاري في المساجد والزوايا بالمغرب

 ولم يزل صحيح البخاري يقرأ ويختم بالزاوية الناصرية "بتامكروت" حيث كان يقرأ في نسخة ثلاثينية، يقرأ جزء كل يوم، ثم يقع ختمه في آخر شهر رمضان في حفل مشهود، كما يقرأ ويختم في المساجد والزوايا في كل تراب المغرب خاصة في شهر رمضان إلى يومنا هذا، ويختم صحيح البخاري بين يدي أمير المؤمنين في حفل مهيب يحضرة كبار العلماء ورجالات الدولة، كما لم تزل مجالس البخاري قائمة بمولاي إدريس زرهون، حيث تستمر قراءته طوال الأشهر الثلاثة: رجب وشعبان ورمضان صباح كل يوم، ويختم عصر اليوم السادس والعشرين من رمضان في محفل كبير ومشهد عظيم، يحضره العلماء والشرفاء ورجال السلطة وجمهور كبير من أنحاء المغرب.